دعوت صديقا ليشهد معي حفل افتتاح أسبوع ثقافي لدولة غربية لنا معها علاقات تاريخية و ظننت أنّ فعلت خيرا لم أنتظر من ورائه شكرا لكنّي فوجئت بردّة فعل سلبية لم أدر لها دافعا ولا تفسيرا و لكنّها أكّدت لي أنّ بعضنا يعاني من عقدة النّقص التي يبدو معها مستهدفا إذ هي تصوّر له الآخر عدوًا يتربّص به يستخدم ثقافته للهيمنة كما استخدم قوّته العسكرية من قبل ليستأثر بخيرات البلاد و عقول العباد .
وددت معرفة ما يدور بخلده و يحيّر باطنه فيمنعه من حضور نشاط ثقافي مغاير و يفتح له نافذة يطلّ من خلالها على عالم يجهل حقيقته فكان جوابه أن قال لائما أمثالي ممّن استهوتهم ثقافة هي في رأيه استعمارية أفسدتها المادّة و أضرّت بها الحرية : ما أتعس أفرادا و أقواما اتّخذوا الأعداء أولياء يقتدون بهم و يقلّدونهم . لا أفهم كيف خوّلت لهم أنفسهم التنكّر لأصالتهم و التشكيك في تراثهم و زيّن لهم نقصهم الاتّكاء على ثقافات مسمومة تضرّ بأخلاقنا الضرر المبين و تفسد قيمنا و تزعزع ثوابتنا .. متى كانت ثقافة الغربيين الغرباء نموذجا وهي التي سببت تصدّع أركان الأسرة و حملت الأبناء على شقّ عصا البرّ و الطاعة ؟ كيف نتّخذها مثلا وهي التي قوّضت القيم و شوّهت المثل و شجّعت على الانحراف بدعوى الحرية ودافعت عن الميوعة و اعتبرها ثقافة الثائرين من الشّباب المنادين بحقوق ما أنزل الله بها من سلطان والمطالبين بسنّ قوانين تحمي المارقين عن الخلق و الدين المتجاهرين بمثليتهم ..
أما رأيت كيف تحتفي وسائل الإعلام هناك بمظاهراتهم و مسيراتهم و كيف يدعمهم ساسة وقادة يرون فيهم أصواتا تفيدهم يوم الاقتراع لا يضيرهم أن يكونوا منحرفين أو من مستهلكي المخدرات أو من الداعيات إلى حقّ التعري أو الذين يدّعون أنّ حرية التعبير لا تعترف بالخطوط الحمراء ولو تعلّق الأمر بالمقدّسات .. تبا لثقافة قوم لوط و أمثالهم إنّها لثقافة موبوءة لا خير فيها و لا ينبغي الأخذ منها فهل رأيت عاقلا يرتوي من مستنقع عفن ؟
إنّ الثقافة أيّها المنفتح تحمل بالضرورة مثل من أنتجوها وإنّ قيمهم قد صيغت على مقاسهم و لا أظنّ أنّ ما أنتجه الغرب لأبنائهم يصلح لأبنائنا و يفيدهم بل إنّي أعتقد أنّه إلى الاضرار أقرب فلندع ما يضرّ و لا ينفع و لنعد إلى موروث يحمينا من الانبتات بئس المرء متغرّبا يدافع و يرافع لتبرئة شياطين أضلّوا...
لأنّ المداخلة لم تكن هزيلة ولأنّ الحجّة على انحرافات الثّقافة الغربية كانت حاضرة ارتأيت أن يكون الردّ قائما على الحجة و البرهان بعيدا عن العاطفة أبيّن به ضرورة التفاعل الايجابيّ و حتمية التثاقف الواعي بين الأمم ولو كانت تلك الأمم أقلّ تمدّنا فقد نجد في ثقافتها ما ينفع و يطوّر أليست قوّة الأسود متأتّية من خراف مهضومة ؟ستكون الحكمة وسيلتي و سيكون الاقناع هدفي وسأتوخّى الوضوح والهدوء في ردّي حتى أبلغ مرادي فقد قيل صوت الحكمة أنسب لبلوغ العقل و البعد عن التوتّر و الانفعال احقّ أن يتّبع إن أراد المرء الإقناع ذلك ما ينبغي فعله وذلك ما فعلت و ها إنّي أقول لمن يدير ظهره لكل ثقافة أجنبية الانفتاح لا يعني بالضرورة انبهارا و خضوعا و عبودية لا يعني الانفتاح التقليد الأعمى الدالّ على الضعف و و الفراغ أما دعانا رسولنا الكريم (ص) إلى طلب العلم ولو كان في الصين أما قال إن الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها أنّى وجدها ؟؟ الانفتاح حقيقة انسانية ضاربة في القدم و ظاهرة صحية تشير إلى مناخ انساني هو أقرب السّلام منه إلى الصّدام ..لم توصد أبواب التّواصل الثقافيّ إلاّ حين انتشر الفكر المتعصّب وتشبث أصحابه بالانغلاق و جاهروا بالعداء لكلّ مخالف لهم في اللّسان والمعتقد منكرين أن يكون لغيرهم فضل .
لست أتّهم موروثنا البتّة و لا أتنكّر لأصولنا إطلاقا و لست أتحامل على ثقافتنا أبدا لا أعيبها ولا أصفها بالعقم و التحجّر فما أبعدها عنهما ..إنّني حين أتطلّع إلى الاغتراف من ينابيع الثقافات الأخرى فلأنّ في ذلك إغناءً للذات و تعزيزا للشخصية إنّ المتجذّر في ثقافته لا يخشى انبتاتا و إن الفخور بانتمائه لا يخاف اجتثاثا لا يمنعه انفتاحه من أن يكون الوفيّ المحافظ المعترف بالجميل لأسلاف شهد التّاريخ أنّهم اجتهدوا و لم يقصّروا وحين أخذوا تخيّروا و استفادوا وترجموا ما به سادوا و أضافوا للحضارة الانسانية لبنات ..
نعم لا يكفي أن نتشبّث بالأصل و نعتزّ بالتّراث و نغمض العيون عن ارث إنساني عظيم فللأمم الأخرى فضائل و محاسن من البلاهة ازدراؤها فالكمال يوجد في صناعة كلّ الطوائف والمحاسن مشتركة بين جميع الأمم ذلك ما أقرّ به الأسلاف المجتهدون لذا كان من الضروريّ أن تتنوّع الثقافات وتتعدّد توقّيا من تقوقع مدمّر وسعيا لاستفادة بنّاءة .إنّ الخوف من ثقافة الآخر سبب من أسباب التخلّف و الانحداروإنّ مدّ جسور التّواصل هو المنهج المجدي لصون الذات من الجمود و الخمول من ناحية ومن الذوبان و التبعية من ناحية أخرى .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire