رسومات على ريش الطيور 195814.png

mercredi 5 mai 2021

قريبا من الإفلاس

 

      قريبا من الافلاس

     بتفريق السّلط  زعم أهل الحلّ و العقد أنّ عهد الاستبداد ولّى غير مأسوف عليه  ، شهور طوال أنفقها من يفقه ومن يدّعي أنّه يفقه ومن لا يفقه  في سنّ دستور يكرّس توزيع المسؤوليات في الجمهورية الثّانية ، وتمطّطت  الشهور  وكادت تتحوّل إلى سنوات أرادها بعضهم أن تكون رغم أنوف الجميع و على حدّ تعبير " مقرر الدستور" على قلوب النّاخبين ...شهور من المخاض العسير أنتج دستورا ألغامه مبثوثة في أغلب فصوله ، دستور زعم بعضهم أنّه أفضل ما حبّرته أيادي المشرّعين و الحقيقة أنّه دستور يفرّق أكثر ممّا يجمع ، يثير و لا يريح ، يشكّك و لا يقنع .

     وها هي السنوات العجاف تتوالى في جمهوريتنا الثّانية  لتعلن عن حقيقة المولود الملغّم ، و لأنّ غير المؤمنين يلدغون من الجحر الواحد مرّات ، وجدنا الخائضين في صياغة ذلك الدستور العظيم  ،بل العقيم ، يقعون في الشراك التي نصبوها بوعي أو بغير وعي عن حسن نيّة أو عن خبث دفين  أقول : غير المؤمنين بسلطة العقول قبل سلطة الفصول ، و هل تنتظر ممّن أعشاه الحمق و التزمّت أن يتدبّر ؟ هل تنتظر من فاقد أشياء أن يعطيك شيئا ؟ هل تنتظر ممّن جعل هواه إلهه أن يهديك سواء السبيل و يبلغ بك الحقّ و الفلاح؟ فحين يكون الدّافع إلى التّقنين حماية الذات و تحقيق المصلحة الضيّقة ، فلا تنتظر أن تجد فيما حبّرته الأيادي من تشريعات ما ينفع البلاد و العباد .وفي ما صادقت عليه من قوانين يسارع بتركيز المؤسّسات الدستورية الضّامنة لسلامة المسار الديمقراطي و المحقّقة لمبدأ تكافؤ الفرص وبالتالي التعايش السلمي .

     سنوات عجاف سلخها المواطن البسيط و الوطني الغيور بشكل أسال دموع الكثيرين من أبناء هذه الأرض و أهرقت دماء آخرين بما أنّ بعض أرضنا  - كدستورنا – ملغّم وها هي تعصف بأرواح مواطنين لم يجدوا في جمهوريتهم الجديدة سرير إنعاش وقارورة أكسجين وجرعة لقاح .سنوات عجاف لم يهنأ فيها إلاّ قلّة ظنّت أنّ السير على الأشلاء ضرب من النجاح أو هو عنوان انتصار ..وأنّ الثراء في الوطن الفقير ردّ للاعتبار . تبّا لسعيد بين الأشقياء و لمنتهز بين أغبياء  .. سنوات عجاف قبح فيها كل جميل  ، و فسد فيها كل صالح ، استشرى فيها الفساد حتى ظنّ بعضهم أنّه القاعدة و أنّ الرشاد هو الاستثناء ..و حين تعمّ الفوضى و تتعطل الرغبة في النفع و يميل الناس رغما عنهم إلى الانحراف ترى سواعد  المتسلقين إلى غير علوّ و قد شمّروا عنها و تقف على نوايا المستغلين وقد كشفوها فلا حاجة لهم بعد اليوم بأقنعة لم تعد تخفي شيئا . شأنهم شأن مروّجي المحروقات المهرّبة على قارعة الطريق غير بعيد من مراكز الأمن الوطني أحيانا ، وشأن غيرهم من المضاربين و المحتكرين ..

  سنوات من العـناء و الفقر تتتالى والحال أنّ السيولة لم تكن هي الأضعف في تاريخ هذا الوطن الحبيب . لكنّها سيولة موجّهة استأثر بها أصحاب الجاه و السلطان   ، القادة الجدد  القائلون بأنّ للنضال مقابلا ، و أنّ ما أنفقه أولئك " المناضلون" يقتضي حتما ثمنا مناسبا ولو اقتطع بعضه من جهود الكادحين..إذ لا علاقة لهم بالذين وقع أجرهم على الله و الذين لا يريدون من شعبهم جزاء ولا شكورا .. فهم و إن ادّعوا أنّ  المبتغى حماية الدين و نصرة شريعة الله في أرض جفّت فيها منابع الأصالة وخيف عليها من التغريب، فإنّ الدنيا و زينتها هي مبلغ سعيهم وهي مقصدهم الأوّل.. وإن صرّحوا أنّ المنى هو العيش الآمن على هذه الأرض الطيّبة فإنّ اللّهث وراء المناصب غدا الهدف الأساسي  المعلن  تكرّس من أجل الوصول إليه  الأموال أيّا كان مصدرها و الوعود و إن كانت كسراب بقيعة و أساليب الإغراء و التحالفات مع أيّ كان ولو كانت الشياطين ..أليست الغاية تبرّر الوسيلة ؟ .

       أذا كان أمر البعض بهذا الوضوح في التلوّن يلبسون لكل حال لبوسها ولو دعاهم ذلك إلى أن تدوس أقدامهم الشعارات  التي رفعوها بالأيادي ، و أن يتنكّروا  للوعود التي قطعوها فأسالوا بها لعاب الطامعين و فتحوا شهيّة الجائعين غير المتعفّفين وأن  يقبروا المشاريع التي ادّعوا  تحقيقها أو إنعاشها  وأن  يعطّلوا المؤسسات التي تظاهروا بتطويرها ، إن كان أمر هؤلاء بيّن لا يحتاج إلى تدليل فالمحير أمر آخرين صرّحوا باستقلاليتهم فإذا هم متواطئون ،  و أعلنوا حيادهم فإذا هم منحازون ..ألم تر أنّ المناصب تفقد الكثيرين صوابهم و تخرجهم من جلودهم و تنسيهم مبادئهم إن كانت لهم مبادئ !!  وما أمر خيانة الأمانة و التنكّر للثّقة وازدهار السياحة الحزبية إلا دليل على الانتهازية التي اتّصف بها المتنقّلون من وكر لآخر تنقّل حشرات اجتهدت في البحث عن رحيق لكنّه للأسف رحيق لا ننتظر منه ما ينفع العباد و البلاد . فبحثهم اللاهث إنّما هو وراء المصلحة ذاك هو ديدن من اعتلى سدّة الحكم  معتبرا إيّاها تشريفا لا غير .. إلاّ من رحم ربّي.. .فلا الحكومة برئيسها و لا مجلس النواب برئيسه  ونوّابه أيضا ولا غيرهم يمكنهم إقناعنا بأنّ سياسة البلاد رشيدة و أنّ الحوكمة منهجهم و القضاء على الفساد غايتهم . لا يمكنهم بحال من الأحوال إقناع من انتخب آملا و من انتخب طامعا و من لم ينتخب  يائسا  ، من دافع مقتنعا ومن أيّد دون اقتناع  ومن اصطفّ متملّقا و من خرج عن الصفّ منزعجا ..و من لم يدافع ولم يؤيّد ..على أنّ سياستنا حكيمة و سياسيينا من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة   ، لم تعد تصريحاتهم الجوفاء و إن فصح لفظها و قوي جرسها تحرّك  وازعا  أو تثير اهتماما ... فليبيعوا ما عزّ عليهم  من خرقهم و ليتنازلوا ما أرادوا التنازل عن امتيازاتهم –ولن يفعلوا-  فإنهم لن يضمّدوا جرحا و لن يكشفوا بلاء و لن يرمّموا تصدّعا آخذا في التزايد طولا و عمقا ..كيف يثق المواطن البسيط اليوم في مسؤول كثرت وعوده و انعدمت انجازاته فكثر سفهه ؟ أيثق في من يعد ولا ينجز ؟ أيثق في نوّاب تجاوزوا مسؤولياتهم ليزرعوا الفتن و ليستعينوا بمن لا صلة له بالوطن و سلامته ووحدته ؟ أيثق في من جعل صفحته وسيلة للإضرار بالسلم الاجتماعية وتهديدها بما ينشره من سباب و تجريح و ثلب ينم عن سوقية بيّنة وانحطاط كبير ؟  أيثق في المسؤول يحتال لينال جرعة لقاح غيره أولى بها ،  أيثق في حكومة تماطل ستين بالمائة من الفئة العمرية صاحبة الأولوية الثانية و المتراوحة أعمار أفرادها بين 65 و75 سنة لتبادر بتلقيح آخرين صنّفتهم ذات الحكومة ضمن الأولوية الثالثة ؟ أيثق في مسؤولين لا يعرفون أين اختفت الآلاف من جرعات اللقاح الموهوب كما اختفت من قبل هبات مالية ذات شأن ؟ إنّه لأمر عجاب حقا . وهولا يقل عجبا عن أمر قرارات يعمد إلى اتّخاذها  المسؤولون الأوائل في البلاد  فيخرّبون بها الدّورة الدّموية لكيان هذا الوطن الموبوء فبدل الحجر و المنع  لغاية السلامة و النفع يفاجئنا أولئك بالدعوة إلى التظاهر انتصارا لفئة حاكمة فاشلة أو تأييدا لمعارضة صبيانية مهرّجة أو إلى الاحتفاء بمواراة جثمان عدّت حركة حاكمة صاحبته زعيمة جديرة بما يخصّص للزعماء و الحال أنّ الوضع الصحيّ في البلاد لا يسمح بالاجتماع  أو إلى إحياء ذكرى غزوة بدر نخرق به سياسة التوقي و الحذر و نلقي بأنفسنا في التهلكة ثمّ ندّعي عدم المصانعة و البعد عن الانتماء.

       سلوكات خرقاء يأتيها مسؤولون في الدّولة زادت من تعكير الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الصحّية تغلق أبوب المدارس و تفتح أبواب المقاهي و بدل الجلوس المتباعد على مقاعد الدراسة  يتحلّق التلاميذ حول طاولات المقاهي متجاهلين قواعد الصحّة التي يتطلّبها الوضع . نعم بدل القلم سيجارة و بدل التعلّم ثرثرة . وتغلق الأسواق في الفضاءات المفتوحة ليتزاحم الناس في الفضاءات التجارية المغلقة و لنكره الناس على توسيع ثروة الأغنياء و بالتالي تضييق رزق الفقراء ، لله درّ هؤلاء الحكام !!

      أمّا كبيرهم فينبري من على الرّبوة بين الحين و الحين بلسان عربي مبين يقول للمغفّلين و اللاّمبالين أنّ له علم اليقين بأنّ ما يحاك في الغرف السوداء ليس في صالح النّاس أجمعين وأنّ اللّحظة آتية لا محالة للضغط على أزرار تحيل الجلمود طحينا .. انتظروا إذن أيها المغفّلون فنحن لسنا معكم من المنتظرين .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire