جمعتنا الصّداقة لاحتساء قهوة في حديقة مركز ثقافي وللصّديق قلت :
- ثمّ ماذا لوتحدّثنا قليلا عن الفنان الذي هو أنت ؟
استرقت النّظر إلى وجه خجول فإذا في العينين بعض الضّجر سريعا ما محته ابتسامة لا يدرك كنهها من لم يحسن النّظر في وجه فنّان .. ..قليلا كان كلامه . ... موجزا كان ردّه و لكنّه يفي بالحاجة و يدفع لا إلى الاقتناع فحسب و إنّما إلى التّفكير ..
أسأله ، فترتفع اليد ببطء و تتحرّك الأنامل حركة أفقية على جبين يحترق ، هل يخفي نظرة تأفّف من سائل لا يحذق رسم الكلمات و لا يفقه من أحاديث المبدعين شيئا ؟
أسأله عن اللوحة و أبعادها عن الخطوط في استقاماتها و انحناءاتها عن الألوان تشرق وتدلهمّ ، عن التّداخل و الانفراج ، عن الولادة وما يسبقها من مخاض ، عن التجربة في أطوارها المختلفة ...
يصمت الفنّان بعض الوقت ، ينظر إلى البعيد ، لم تربكه الأسئلة فالحديث في ميدان اللون و الفرشاة يرهق الفنّان بالقدر الذي يسعده و أخيرا يقول :
- تعلّمني تجربتي الفنّية في كل آن و حين ، تكشف لي أنّ الفنّ عالم تستحيل محاصرته لا تحدّه الكلمات و لا تحبسه الأشكال و لا تعرضه الصّيغ ، إنّه أوسع من جميع الاديولوجيات، وإنّ الابحار في يمّه سبيل إلى الحزن و الشّجن اللّذيذين للحيرة المعسولة.
أعود للسّؤال عن العملية الإبداعية التي يتقلّب فيها ، فإذا الفنّان يعتصر الذّاكرة وقد تيّمتها انضباطية العمارة و سكنها هاجس البناء الهندسي المستوحى من نسيج معماري تآلفت أنماطه يقول :
-إنّها لعبة عصيّة لكنّها ممتعة في ذات الوقت ، عادة ما تسبق زمانها ، تقوم فيها مسارات الفعل التّشكيلي على التّنغيم والايقاع و الحركة مثلما تقوم على جمالية الاختلال حيث يساهم اللاّتوازن في إثراء المنظومة .. إنّها فوضى منظّمة .
و يبقى تعطّشي للسّؤال أكبر من قدرتي على الانتظار فأسال عن صدى ذلك الفعل الإبداعي و قد استقام البناء في وجدان المتلقّي . يتأخّر الجواب ثمّ يتحوّل إلى تساؤل فيه الكثير من الرّجاء :
- ترى هل أبعث في الذّات المتأمّلة بهجة أخرى ؟ هل أفتح لها أفقا رحبا يسعدها ؟ إنّني أروم استدراج النّاظر في عمق التّجربة الجمالية حتّى يشاركني أطوار نشأتها علّه يغنم بعض المتعة و يشاركني بعض المعاناة ، حينها لا أيسر علينا من أن نزرع زهور الأمل و السّلام و نلوّن ليالينا بأزهى الألاوان .
يسكت محدّثي ، وأصمت بدوري ، أشعر أنّي أفقد القدرة على الصّياغة ، الكلمة جموح وأنا لا أمسك بالعنان ، لا حرف يحيط بالفكرة يرسمها ، و أنّى لي أن أسأل وقد تاهت حروفي في مسالك الخطوط و الألوان !
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire