رسومات على ريش الطيور 195814.png

jeudi 29 mai 2014

شعوب كأنّها غنم

     

      في مجتمع الأغلبية فيه لا تقرأ ، و أغلبية الأقلية القارئة تقرأ باللّسان إن قرأت و لا تتدبّر ويردّد السامع إن سمع ما يقرأ ولا يفكّر في مجتمع لا يعرف أكثر قارئيه حقيقة الوصل و الفصل و الوقف و السكوت ولا يدرك كنه اللفظ ليقف على مدلول القول في مجتمع لا يفقه فيه القارئ النّاسخ و المنسوخ ولم يخطرله على بال أن يسأل عن أسباب النزول ، في مجتمع يخلط فيه أشباه المتعلّمين بين الكراهية و الإباحة و التحريم و بين المستحبّ والمندوب و المفروض... لايفاجئنا أن تشيع فيه ثقافة الموت وأن يصبح دعاة الثقافة والدين مراجع للعامّة ، وأشباه الرّجال قادة و سادة ، وأن يعتلي المنابر من لا خير في علمهم و لا نفع في قولهم ، لا تفاجئنا بدعة هذا بتقنين امتلاك الجواري وذاك بدسترة تعدّد الزوجات و ثالث بفرض النقاب و الـجهاد ، لا نستغرب أن يتطاول الجاهل على المثقّف و يستصغر اللّئيم الكريم فهذا زمن استئساد الهررة ترعى فيه الشّعوب بعبيد كأنّها غنم .
       في مجتمع الكتاب فيه غريب و الرغيف عصيّ هل تنتظر من الناس أن يفكّروا و يفهموا ؟ وأنّى لهم التفكير و الفهم و العقول صدئة و القلوب عمياء ! كيف لهم أن يحلموا و آفاقهم بلا ألوان ! وكيف لهم أن يُحترموا ولمّا يَحترموا أصحاب العقول؟ ففقراء العقول هم في الآن ذاته فقراء القلوب .
       كنا نتصوّر أنّ سنوات أو لنقل عقودا مضت على إرساء منظومة تربوية تعيد للعقل اعتباره حتّى يقوم بدوره الطبيعيّ في صنع الانسان المفكّر المتّزن ستكفينا شرور التصدّع الاجتماعيّ و هشاشة العلاقات بدءا بالعائلة و مرورا بالمؤسّسة و انتهاء بالمجتمع ، لكن و للأسف الشّديد ما نلاحظه لا يرضي وطنيا و لا يسعد عاقلا . فالوطن على صغره غدا جزرا متباعدة وما حقّقته المدرسة التونسية من نجاحات في الربع الثالث من القرن الماضي لم يستمرّ بل تراجع بشكل متسارع لينحت أجيالا غريبة في معتقداتها متطرّفة في معاملاتها سطحية في تحليلاتها ...
     اغرار وقعوا في شراك الجهويات والقبليات ففرّقتهم و أشعلت بينهم فتيل الخلافات و النزاعات استعملت فيها الألسنة البذيئة و الأسلحة الممنوعة والحجج المرفوضة دينا ومنطقا وفي هذا المناخ الموبوء طفا على السّاحة خطاب تبجّح فيه المزهوون بنصر الفاشلين العاجزين عن كبت جماحهم و إخفاء عقدهم حجّتهم في زهوهم ما نالهم من اضطهاد و إقصاء وما عانوه من حرمان و تهميش
     ولأنّ طمعهم كان أكبر من جهدهم و قصر نظرهم يحول دون تبيّن مصلحتهم ورغبتهم في الانتقام أوسع من أن يسعها صدر عمره الإيمان فقد أعلنوا أنّهم أصحاب الحقّ و الشرعية وأنّ سعيهم لفرض حقيقتهم تبرّره افرازات صناديق الاقتراع ولو لم تمثّل غير ثلث أصوات أقلّ من نصف االمعنيين بالانتخابات والذين لم يتأخّروا عن التصويت مدفوعين بحماس ذاتي أو مستجيبين لإغراءات خارجية وها هي الأيّام تؤكد للجميع أنّ شعار الوطنية الذي رفعه مضطهدو الأمس لم تكن وطنيتة خالصة بقدر ما كانت مأجورة إنّ الوطنية الحق لا تقبل منّة والتضحيات يعيبها أن تسعّر و سنوات السّجن لا ينبغي أن تصبح حجّة لبلوغ ما لا يتيحه المستوى و الخبرة و الذكاء الخلاّق .كما أكدت الأيّام أن المسؤولية لايمكن أن تتقلّد باعتبارعدد أيام الحبس والاضطهاد فالحلاقة كما يقول المثل الشعبيّ لا ينبغي أن تُتعلّم في رؤوس الأيتام .ولا ينعت بحلاّق من شوّه رأس زبون .ولا بسياسي من أربك مجتمعا وفرّق صفوفا وسمح للتباغظ والتناحر بأن يطلّ برأسه .وكيف يتسنّى لشعب أن يعايش زمرة تحسب نفسها على صواب باستمرارو ترى غيرها واقع في الضلال ؟؟
   وفي مقابل هذا الفشل المحبط للعزائم يطل آخرون من جديد وقد تقنّعوا يرومون العودة لسوْق القطيع لم يكفهم ما أتوه من إخفاقات و ما ارتكبوه من حماقات طيلة عقود من الحكم و الانتهاز والسكوت عن الظلم بل و تبريره . فهل آن للرّعية أن تتحوّل شعبا له حقوق يستميت في المطالبة بها وعليه واجبات لايهنأ إلاّ بعد أدائها ؟ .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire