قالت : أخشى أن
اقصّر في أداء أقدس واجب اضطلعت به المرأة منذ وجدت على هذه البسيطة فترك البيت
لفترات قد تطول وبشكل متواصل له عواقبه الوخيمة و أنا لا أحبّ ان يشعر أحد
بالاهمال أو التقصير فإذا كنت لا أرضى أن تكون هاتان الصفتان في أحد فالأولى أن لا
تكونا من صفاتي . لا يخطر ببالي أن أسيّر إدارة أو أشرف على مؤسّسة أو أن أرسم
سياسة أو أنفّذ مشروعا أو..أو .. و قد تركت واجبا و أخللت بمهمّة و أهملت نشاطا تتوقّف عليه سعادة أسرتي و
نجاحات أفرادها .
إنّ المسؤولية
تكليف يشغل الوقت أغلبه وهي بلا شكّ مجلبة للمتاعب بأنواعها ولست أعني أنّ الأنثى
على وجه التحديد ليست أهلا للمسؤوليات الجسام و لا هي من الضّعف بحيث ترهقها فلا
تتحمّل تبعاتها و لكن ما قصدته أنّ غرور الرّجال و خوفهم من مزاحمة المرأة لهم
يزيّن لأغلبهم اضطهادها و انتقادها و ملاحقة أخطائها و تضخيم زلاّتها و إن قلّت و هانت ، وما التّجارب التي
مرّت بها المرأة المعاصرة شرقا و غربا شمالا وجنوبا إلاّ تأكيد على العنصرية الذكورية التي لا تزال تعشّش في
أذهان كثير من الرّجال فتريهم الأنوثة نقصا و استنقاص شأنها فحولة ، و هيهات أن يقتنع مريض
بعنصريته و يسلّم بأنّ المرأة شأنها شأن الرّجل جديرة بتقلّد أعلى المناصب
وأخطرها و أدقّ المسؤوليات وأعقدها . لذلك يغدو من التّهوّر مزاحمة من لا ينصف
المرأة و لا يحترم شخصيتها ، من يتربّص
بها و يتحيّن الفرص للإيقاع بها ، من يتهمها بإهمال أسرتها والترفيع من نسبة البطالة في صفوف الشباب.
لهذه الأسباب و
لغيرها آليت على نفسي ألاّ أقتحم مجالا لا يزال لحدود الساعة يعتبر خطأ من حقّ الرّجل به يثبّت سلطانه ويكرّس تفوّقه والويل لبنات حوّاء إن هنّ تجاوزن الخطوط الحمراء التي يتفنّن السياسيّ في رسمها .لهذه الأسباب أرفض أن يكون حضوري في
مملكة الرجال شكليا أو هو في أفضل الحالات من قبيل الديكور الذي تزيّن به
المؤسّسات الفاعلة في الحياة الاقتصادية و السياسية و الفكرية .
قلت متعجّبا من
هذا الموقف الذي يكرّس فكرة المرأة الخادمة التي تنفق سنوات العمر في إرضاء الزّوج
و خدمة الأبناء و راحة الأحماء أحيانا و لو كان ذلك على حساب مطامحها و أحلامها :
لن تكوني مكرهتي على الدفاع عن المرأة فأنا أفعل ذلك عن اقتناع ذاتي لأنّي لا أعتبر
المرأة خادمة حاذقة في بيت تريده جنة يسعد فيه الآخرون وتشقى هي بحبسها و انسداد
أفقها و تبخّر أحلامها ،تتنازل عن حقوقها وتحمّل نفسها من الواجبات ما يثقل الكاهل
و ينغّص العيش وهي القادرة على التوفيق بين الحقّ و الواجب و القادرة على مسك دفة
القيادة لا داخل البيت فحسب ولكن خارجه أيضا فهل كتب على الأنثى أن تقضي حياتها
بين طبخ و غسيل و كيّ و تمريض معتلّ و الترويح عن ضجر ... ؟ أليس من الظلم حرمان
مجتمع بأسره من طاقات و قدرات أثبتت المرأة امتلاكهما و كيف يريد مجتمع نهوضا وإقصاء
المرأة فيه حقيقة ؟و كيف يسلم مجتمع من الاعتلال و نصفه مشلول ؟ " إنّ حوّاء
لا تقل في شيء عن آدم من قدرتها على تحمّل الأعباء الجسام في سبيل دفع الانسانية
إلى الأمام " فما دام للمرأة هذا الشّأن في الحياة و تلك القدرة على نحت الغد
الأفضل لبني الإنسان فمن الغباء إحجامها أو إقصاؤها وإنّها لخسارة كبرى أن نبعد
المرأة عن الاشتغال بالمهام العظمى أو أن تبتعد هي عن المسؤوليات الأولى . وإنّي
إن كنت لا أسمح بإقصاء المرأة والإساءة إليها فإني في الوقت نفسه لا أفهم لم تعمد
المرأة إلى جلد ذاتها و الحال أنّها ليست في مأمن من إساءة الرجل و ظلمه !لا أفهم لم لا تعتبر الّرجل شريكا لها في
البيت و هي شريكة له في العمل؟ غريب أن تكون نسبة الرجال الحريصين على تقاسم
الأعباء المنزلية قريبة أو هي دون نسبة النساء المساهمات في صنع القرار السياسي
الهام ولا أدلّ على ما أقول من إحصائية جاء فيها أنّ نسبة مشاركة المرأة العربية
في سوق العمل هي الأدنى في العالم إذ لا تتجاوز ثلاث و عشرين بالمائة في حين تصل
هذه النسبة إلى تسع و خمسين بالمائة في بلدان شرقيّ آسيا أمّا إذا تعلّق الأمر بالمجال السياسي فالنسبة
تصبح مخجلة حقا .أبهذه السلوكات الاستبدادية نعلن عن حبّنا للمرأة و نصرتها و دعم مطالبها و صيانة حقوقها ؟ أبهذه الانهزامية تشقّ المرأة طريقها نحو المجد ؟
الأجدر بالمرأة أن
تتحمّس للمسؤولية رغم ما يحفّ بها من مصاعب و مخاطر فبلوغ القمم يتطلّب الجهود المضنية و
التضحيات الجسيمة و شدّة التحمّل و طول النّفس و لا أظنّ المرأة إلاّ قويّة قادرة بوسعها
أن تفرض الاحترام بعد الاعتراف وأنّ صوتها يجب أن يسمع و رأيها ينبغي أن يؤخذ بعين
الاعتبار وأمرها يقتضي أن ينفّذ فحكمة التسيير و القيادة ليست حكرا على الرّجال لأنّ
صانعة الأجيال مؤهّلة لأن تدفع المجتمع نحو الأعالي و إن شئتم برهانا فانتبهوا
لواقع السياسة في بعض بلاد الغرب المتقدّمة حيث تبوّأت المرأة مراكز القيادة بجدارة
كما هو الشأن في ألمانيا و بيطانيا و السويد...فلا ترفعي أيّتها المرأة راية الاستسلام و لا تعرقل أيّها الرجل سعي النساء تدّعي حبّهن و تضطهدهنّ !!!.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire