رسومات على ريش الطيور 195814.png

vendredi 6 janvier 2017

نعم للتفاعل الثقافيّ الذكيّ

   رغم الثورة التي أحدثتها التكنولوجيا الرقمية في حياة الإنسان بل حياة الشعوب وبعد أن صيّرت العالم قرية يسهل فيها التّواصل و تقلّ التّكاليف فإنّ ظاهرة التقوقع على الذات و رفض التّفاعل مع الآخر تجد من يدافع عنها و يؤمن بجدواها و يرى أنّ التّعامل مع من يخالفه في الدين و اللغة لا خير يرجى من ورائه ولا منفعة تجنى منه بل على العكس من ذلك هو ذوبان للشّخصية و تنكّر للتراث .
    ترتفع من حين لآخر أصوات تنتقد كلّ انفتاح وتعارض القائلين بضرورة التّعارف و التّواصل         ومن ثمّ التّفاعل ويزعم أصحابها أنّ التقدّم لا يكون باستهلاك ثقافة غربيّة غريبة أنتجتها مجتمعات لم تخف في كلّ الأوقات مطامعها و لم تتورّع عن امتصاص خيرات غيرها و يرون أنّ صون الذّات لا يكون باستهلاك ثقافة تحمل بين طيّاتها قيما ومثلا وتقاليد لا تتناسب مع ثوابتهم و مراميهم وأخلاقهم
ويعتبرون أنّ الآخذ عن تلك المجتمعات المريضة بغرورها و هيمنتها معقّد يشعر بالنّقص و أعمى لا يهتدي سبيلا و منبهر واقع في المحظور ومنقاد إلى هواه متناس لمجد الآباء و الأجداد متنكّر لحضارة تليدة باحث عن بديل لا يرقى للمجد العريق ولا يحترم الماضي المجيد و لا يصنع المستقبل السعيد .خطر الأخذ عن أمم تناصبنا العداء أكيد وأن اجتهدت في إخفائه وادّعت التمدّن والسّلم واحترام المختلفين فثقافتها تنحتنا و تشوّهنا بما تحمله و تروّج له من قيم وذوق واخلاق كما ينحت الماء في الصّخر نحتا بطيئا ولكنّه عميق . فما لنا و لثقافة شيطانية تغوينا تقتلعنا من الجذور تأسرنا ببهرجها تعشي أبصارنا بأنوارها وتعمي بصيرتنا بسحرها فنتنكّر لإرث الأجداد و نقلّد بشكا انبهاري لا نميّز معه الغثّ من السّمين و الصّالح من الضّار الأولى أن نقطع الطّريق دون محاولات التّدجين التي يسعى إيها أعداؤنا متوخّين طرائق ظاهرها النفع و باطنها الاستلاب .
نرفض أن نكون منجذبين ندور في فلك الغالبين ، نرفض أن نتحوّل قطيعا لا يختار مرعاه و لا يحدّد وجهته . فلا كرامة لحيّ هو مدين في عيشه لعدوّ يمنّ عليه لا قيمة لإنسان يستهلك ما لا ينتج و يفكّر بعقل غيره ، لا قامة لمنبطح يدّعي الانفتاح .
لئن كان في قول الرّافضين بعض الوجاهة ذلك أنّ التّقليد الأعمى و الأخذ اللاّمشروط يمسخ الشخصية لكنّ الدّعوة إلى الانغلاق و التقوقع و رفض التّفاعل هو خطر جدّي . نعم لست مع مذهب من يقول بالأخذ كيفما اتّفق ولست كذلك من فئة المنغلقين القائلين إنّ الخير كلّه في تراثنا و الشرّ كلّه في ثقافة الآخرين فلو كان ذلك صحيحا فبم نفسّر قول الله "...وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا " و حتّى لا أكون متعسّفا على ثقافات أجنبية و جبت الإشارة إلى سلوك أسلاف صنعوا العصور الذّهبية للمجتمع الاسلامي حين استأنسوا بثقافات شعوب أخرى فأخذوا عن الإغريق و الهنود و الفرس و الرّوم لم يمنعهم إيمانهم ولا انتماؤهم و لا أخلاقهم من أن يغترفوا من معارف اولئك بناء للشّخصية العربية الإسلامية و تأسيسا لثقافة شرقية متطوّرة تشعّ أنوارها لتصبح بعد قرون قليلة مرجعا يقصده طلبة العلم من الغرب بأكمله .
اذن من الخطأ أن نرفض الأخذ المفيد فالثمار الشهية لا تكون إلاّ بتلاقح أمثل و ما أيسره اليوم فقط أن يكزن أخذ عقلاء لا منبهرين أخذ متجذّرين لا منبتّين . ما ضرّ لو انتبهنا إلى أسرار تقدّم غيرنا وتأخّرنا  أليست الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها أنّى وجدها ؟ ألم نطالب بالبحث عن منابع المعرفة ولو كان دونها محيطات و أدغال و جبال ...فلم نغلق أبوابنا و نوافذنا إلى حدّ الاختناق ؟ لم يكون مصيرنا أشبه بالنبتة التي حجب عنها النور و لم ينعشها الهواء ولم تبلّل جذورها مياه ؟ بئس المصير الذي ينتظرنا إذا آثرنا التقوقع و الانعزال .
ما يعاب على البعض هو مجالات الأخذ أمر يحيّر العاقل أن تتجه طائفة من الشباب إلى تقليد أعمى للمظاهر التي لا تعبّر إلاّ عن انحرافات أو تفسخ أو ضياع يعيشه غربيون صدمتهم المادّية وجنح بهم الفهم الخاطئ للحرّية .فما يرى من تسريحات شعر و من أصناف حلاقة ومن وشم و غيرها من السلوكات المفتقرة للذّوق السليم تدلّ على انجذاب لا تفسيرله سوى ضعف الشخصية و هشاشة الأساس .

لكن الايجابي أنّ الأخذ لا يقتصر على فئة المقلّدين المذبذبين و إنّما يعتمده آخرون دفعهم اعتزازهم بأصولهم و رغبتهم في ايجاد مكان مميّز في هذا العالم المحموم إلى البحث عن المفيد في ثقافة الآخرين عن اللبّ الذي به تستقيم الحياة و يسعد الانسان وجدوا في تقديس العلم و حبّ الكتاب و المحافظة على النّظام و احترام الوقت و المواعيد في النّظافة و الابتسامة و التطوّع و الاقتسام و..و..  محامد يمكن اقتباسها و محاسن يجب التحلّي بها تفطّنوا إلى أنّ للآخرين مزايا وأنّ لكلّ أمّة محامد و مساو فلا ينبغي إذن تجاهل نقاط القوّة عند سوانا كم لا ينبغي التعامي عن نقاط ضعفنا و هي ليست بالقليلة .
ولأنّ الإنسان مدنيّ بالطبع و لأنّه يحتاج إلى غيره فإنّ الشعوب هي الأخرى مضطرّة إلى التّعامل فيما بينها تحقيقا للمصالح و درءا للأحطار . و ليس من المعقول أن نفقأ عيوننا بأصابعنا إن نحن تعلّمنا من الأمريكيّ كيف يصاحب الكتاب و كيف يحترم الفرنسيّ الموعد و كيف يخلص اليابانيّ في عمله و كيف يحافظ السويسري على المحيط ؟ 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire