أيّ ثقافة تنشرها مواقع التواصل المفرّقة ؟ و بأيّ منطق نردّ على ما ينشر في تلك المواقع ؟ وما نوع التعاليق التي نعقّب بها على أخبار هي أقرب إلى الإشاعات وعلى صور لا تسلم من تركيب في حالات كثيرة ؟أما آن الأوان أن نتدبّر ونتذكّر أنّ الحكمة من أهداف الرّسالة التي نحن بها مؤمنون؟ أما آن الأوان أن نترك جانبا المدح و القدح اللذين دأبنا على التّصريح بهما بشكل ينمّ عن تسرّع و عاطفيّة لا يستقيم معهما حكم رصين . ألسنا المطالبين بأن نجادل الناس بالتي هي أحسن ؟ لم لا نتذكّر قوله عليه الصّلاة و السّلام : لست طعّانا لعّانا ؟ فلندفع بالتي هي أحسن بدل أن نتشنّج و نتوتّر ونرخي لألسنتنا العنان لتلدغ من كان قريبا و تقذف سمومها على من ابتعد .. كثير من المؤثّثين "للفيسبوك" و" تويتر" يعوزهم حذق التناول و عمق التّحليل و ينقصهم بعد النّظر والحياد والتأنّي في إصدار الأحكام و التروّي و التعقّل في ما يكتبونه من تعليقات .. لا أستغرب حين يصدر التّعليق عن غرير لا علم له ، لكنّ الغريب أنّ من هؤلاء " مثقّفين و مربّين وطالبي معرفة" من المفترض أن يميز الواحد منهم الخبيث من الطيّب وألاّ يعدّ التّجريح صراحة وألاّ يعتبر الصّمت عجزا .. من المفترض أن يكون لهؤلاء وعي نقدي و حسّ أخلاقي وهم يتعاملون مع ما ينشر أو ينشرون مواقفهم من الأحداث و الأشخاص و أن تكون المواقف متّزنة و الآراء حصيفة والتحليلات منطقية عقلانية ، غير أنّ ما نتابعه يشير إلى انسياق يكاد يكون كلّيا وراء عاطفة محمومة أو انتماء متعصّب أو تطرّف منبوذ بل ونقرأ في غالب الأحيان سطحية محيّرة و نقصا معرفيا بيّنا ..أغلبنا ينظر و لا يرى ، ينتقد ولا ينقد ، يرتاح إلى الإشاعة كما لوكانت الخبر اليقين ، لا يتقصّى ولا يبحث و لايتساءل .. يسخط دون موجب للسخط و يثلب بغير حساب ويقذع في غير حياء لا يتورّع عن ثلب و لا يضيره فحش أو هو يطري من لا يستحقّ إطراءً و يثني على من لم يكن بالثّناء جديرا يكيل المدائح كما لو كان المقصود بها معصوما لا ينطق عن الهوى.. يتملّق بشكل ينمّ عن انبطاح و امّعية بغيظة ..ألم أقل إنّ المواقف انفعالية والأحكام عشوائية ؟ تلك هي نتيجة التسرّع والتعميم وانعدام الحرفية والافتقار إلى معايير موضوعية تستخدم في عملية التحليل و التقييم بل إنها "عنتريات" ولّى زمانها ما دامت لا تقيم للعقل وزنا و ما دامت تغذّي التّفرقة و تؤسّس لعدائية هدّامة .
كيف نفسّر التباين الصارخ في التقييم الاعتباطيّ والحكم المتسرّع على الأشخاص و الأشياء؟ نرفع الواحد حتى يغدو كالنّسرفوق القمّة الشمّاء و نشيد بالعمل كما لو كان من صنع الجنّ لا يشينه نقص الآدميين ، و ننحدر بالآخرإلى الحضيض نجرّده من كل فضل و نلحق به شتّى العيوب و نقدح في عمله القدح كلّه ، فإذا هو الرّذيلة عينها .. لست أفهم بأيّ الموازين نزن و ما المعايير التي نستخدم حتى تبدو مواقفنا بهذا الشكل من الهزال الفكري و هذا الاجحاف في التقييم ؟ هلاّ أقلعنا عن تهوّر صار في اعتقاد البعض شجاعة محمودة وانجازا عظيما لا يأتيه إلا الأفذاذ.. حتى وإن دفعه ذلك إلى تتبع عورات الآخرين وتلمّس عثراتهم واختلاق نقائصهم ونبش ماضيهم وتشويه حاضرهم وحتى يجد المبرّر ليكيل الشّتائم و السباب .. وهلاّ تركنا المحاباة والإطراء نمجّد بهما نكرة ليصبح البطل الذي لم تلده امرأة ، ونشيد بما آتاه وإن لم يرق إلى ما يسرّ ويرضي . إمّا أن نكتب أدبا ونتحدّث بأدب أو أن نصمت تأدّبا ، فالكلام ، لو كنّا نعلم ، يرسم صورة صاحبه ويكشف حقيقته ويظهر معدنه قبل أن يرسم صورة من كتبنا عنه مستخدمين حوشي الألفاظ أو مأنوسها قاتم الألوان أو بهيجها .فهل من الحصافة و الاتزان أن يشوّه المرء ذاته وهو يتخيل فحولة تدير الأعناق .. ألا ساء ما أتاه أشباه الرّجال الذين اتخذوا الههم هواهم واحتجّوا بباطل يدحضون به الحقّ . لن يفلح من لم يعفّ له لسان ولم يسلم له قلب بل ساء ما فعل !!! يقيني أنّ الثالب والقادح و المتملّق والمادح أساؤوا من حيث لا يعلمون و أساؤوا وهم يعلمون .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire