سنبقى
في أرض النّبوءات يحترق كلّ شيء ، يحترق السّاكن و المتحرّك النّائم و اليقظ ، في أرض النّبوءات يئنّ الحجر
حين يئن البشر و تتهاوى البناءات حين
تتهاوى القامات ، تتهاوى البناءات قبل أن
يجفّ عرق البناة .
في
أرض النّبوءات تنتهك الكرامة و تداس القيم على مرآى و مسمع من دعاة الكرامة ونصرة
القيم ، و يسحق الإنسان الذي وكّلت له مهمّة الاعمار كلّ حيّ ، تخترق القوانين عنوة و
تطبّق شرائع الغاب .
من
يفتح العين يبصر ، و لكن لبعضهم – وهم كثر – عيون لا يبصرون بها ، و من يصخ السمع ينصت و لكن لكثيرين
آذان لا يسمعون بها ، و من يتدبّر فيما يحدث يع و لكن كثيرون هم من لهم
عقول لا يفقهون بها .. و كيف يبصر و يسمع و و يتدبّر من جعل الاسلام هدفا واتخذ
العرب أعداء ؟
واهم فينا من يعتقد أنّ العربي يحظى بالاحترام وإن
تغرّب .. فما دام الدّم الذي يسري في الشّرايين دم عربي ، و ما دام النّبض الذي
يخفق به القلب عربي و ما دام الحلم الذي يراود العقل عربي فن يحترم
العربي و كفى ..
ونريد من الغرب أن ينتصر للحقّ و هو للحقّ منتهك ! نريد منه أن يكون للمظلوم نصيرا وهو للظلم أقرب
منه للعدل ! نريد منه أن يندّد
بالعدوان وهو الذي شرّع للعدوان و برّره
بعد أن مارسه عقودا بل قرونا . فكيف لمن أشعل و يشعل نيران الحروب و الفتن
أن يعلي راية السلم .. كيف لمن يريد استمرارية تصنيع السّلاح و نشر الموت أن يركن
للسّلم و يسعى لنشره ؟
نريد من زعماء الغرب أن يصطفّوا إلى جانب الفضيلة و أن يقفوا إلى جانب الحق وهل يضمن لهم
الزعامة غير الاصطفاف وراء المصلحة والوقوف مع عدوّ عدوّهم ؟ مغفّل من
ينتظر صحوة منتش ، و منهزم من لم يدرك بعد
أنّه ما حكّ له غير ظفره و ما سالت له دمعة من غير عينه . فلا تستجد - أيّها العربيّ الأبيّ- عطف عدوّ
و لا تسأل عون منافق و لا تنتظر نصرة مستغل ، أرأيت عقابا يخلّص قبّرة من مخالب
نسر جائع ؟
كيف ننتظر من مجتمع دولي يطالب مستعمَرا بالسهر على أمن من استعمرِه ؟ كيف
ننتظر من مجتمع " متمدّن" لايساند
محتلا يدّعي حماية وجوده من مطامع ضحيته ؟ أننتظر من هؤلاء أن يقفوا إلى جانب
مظلوم وفي وجه ظالم ؟؟ استمعوا إلى
حكامهم ستكتشفون حقائق لا يريد بعضنا اكتشافها
...
أما آن لك أمّة العرب أن تدركي أنّ مصيرك ليس بيد غيرك و أنّ وجودك رهين إرادتك ، و أنّ بقاءك لا
يحقّقه إلاّ سعيك الجادّ و نكران أفرادك لذواتهم !!! أما آن للعربيّ أن
يعيد النّظر في ذاته قبل أن يعيد النّظر في غيره ؟ أن يواجه نفسه مواجهة الواعي قبل
أن يواجه غيره مواجهة المتهوّر أن يقف على حقيقته قبل أن يستبطن حقيقة سواه !!!
أما آن لنا أمّة العرب أن نترك الاجترار ، أن نعيش على الذّكريات و
بالذكريات لا غير، فالذين يأسرون أنفسهم في معتقلات التاريخ و يحسبون أنّهم أخلص
العباد لتاريخ الأجداد حكموا على أنفسهم بالانقراض من حيث أرادوا البقاء ذلك أنّ
التاريخ لمن يصنعه لا لمن يلوكه و البقاء لمن يبني صرحه لا لمن يبكي على أطلاله ..
نروم العيش وربّ عيش أفضل منه الحُمام !! أيعقل أن يتسلّق
الواحد منّا الجبال الشّامخات و لمّا يحسن المشي في المنبسطات ؟؟ أيعقل أن تبلغ
أبصارنا الآفاق و أعناقنا ملوية يمغنطها
الماضي و تأسرها العنتريات ؟؟ مازالت " داحس و الغبراء" أغنيتنا القديمة
الجديدة ، و مازالت عين جالوت وواقعتها فخرنا الذي لايتجدّد ولا يموت ، مازالت
أحاديث الآحاد تصنع خارطة طريقنا ..و نريد أن يكون لنا مكان تحت الشّمس !!
تبا لعربي هذا الزمان يعشّش في جمجمته تفكير جاهليّ.