رسومات على ريش الطيور 195814.png

dimanche 16 mai 2021

 

                                    سنبقى 

في أرض النّبوءات يحترق كلّ شيء ، يحترق السّاكن و المتحرّك  النّائم و اليقظ ، في أرض النّبوءات يئنّ الحجر حين يئن البشر  و تتهاوى البناءات حين تتهاوى القامات  ، تتهاوى البناءات قبل أن يجفّ عرق البناة .

        في أرض النّبوءات تنتهك الكرامة و تداس القيم على مرآى و مسمع من دعاة الكرامة ونصرة القيم ، و يسحق الإنسان الذي وكّلت له مهمّة الاعمار  كلّ حيّ ، تخترق القوانين عنوة    و تطبّق شرائع الغاب .

        من يفتح العين يبصر ، و لكن لبعضهم – وهم كثر – عيون لا يبصرون بها  ، و من يصخ السمع ينصت و لكن  لكثيرين  آذان لا يسمعون بها ، و من يتدبّر فيما يحدث يع و لكن كثيرون هم من لهم عقول لا يفقهون بها .. و كيف يبصر و يسمع و و يتدبّر من جعل الاسلام هدفا واتخذ العرب أعداء ؟

 واهم  فينا من يعتقد أنّ العربي يحظى بالاحترام وإن تغرّب .. فما دام الدّم الذي يسري في الشّرايين دم عربي ، و ما دام النّبض الذي يخفق به القلب عربي   و ما دام الحلم الذي يراود العقل عربي فن يحترم العربي و كفى ..

ونريد من الغرب أن ينتصر للحقّ و هو للحقّ منتهك !  نريد منه أن يكون للمظلوم نصيرا وهو للظلم أقرب منه للعدل ! نريد منه أن يندّد بالعدوان وهو الذي شرّع للعدوان و برّره  بعد أن مارسه عقودا بل قرونا . فكيف لمن أشعل و يشعل نيران الحروب و الفتن أن يعلي راية السلم .. كيف لمن يريد استمرارية تصنيع السّلاح و نشر الموت أن يركن للسّلم و يسعى لنشره ؟

نريد من زعماء الغرب أن يصطفّوا إلى جانب الفضيلة و أن يقفوا إلى جانب الحق  وهل يضمن لهم  الزعامة غير الاصطفاف وراء المصلحة والوقوف مع عدوّ عدوّهم ؟ مغفّل من ينتظر صحوة منتش ،  و منهزم من لم يدرك بعد أنّه ما حكّ له غير ظفره و ما سالت له دمعة من غير عينه  . فلا تستجد - أيّها العربيّ الأبيّ- عطف عدوّ و لا تسأل عون منافق و لا تنتظر نصرة مستغل ، أرأيت عقابا يخلّص قبّرة من مخالب نسر جائع ؟

كيف ننتظر من مجتمع دولي يطالب مستعمَرا بالسهر على أمن من استعمرِه ؟ كيف ننتظر من مجتمع " متمدّن"  لايساند محتلا يدّعي حماية وجوده من مطامع ضحيته ؟ أننتظر من هؤلاء أن يقفوا إلى جانب مظلوم  وفي وجه ظالم ؟؟ استمعوا إلى حكامهم  ستكتشفون حقائق لا يريد بعضنا اكتشافها ...

أما آن لك أمّة العرب أن تدركي أنّ مصيرك ليس بيد غيرك  و أنّ وجودك رهين إرادتك ، و أنّ بقاءك لا يحقّقه إلاّ سعيك الجادّ و نكران أفرادك لذواتهم !!! أما آن للعربيّ أن يعيد النّظر في ذاته قبل أن يعيد النّظر في غيره ؟ أن يواجه نفسه مواجهة الواعي قبل أن يواجه غيره مواجهة المتهوّر أن يقف على حقيقته قبل أن يستبطن حقيقة سواه !!!

أما آن لنا أمّة العرب أن نترك الاجترار ، أن نعيش على الذّكريات و بالذكريات لا غير، فالذين يأسرون أنفسهم في معتقلات التاريخ و يحسبون أنّهم أخلص العباد لتاريخ الأجداد حكموا على أنفسهم بالانقراض من حيث أرادوا البقاء ذلك أنّ التاريخ لمن يصنعه لا لمن يلوكه و البقاء لمن يبني صرحه لا لمن يبكي على أطلاله ..

نروم العيش وربّ عيش أفضل منه الحُمام !! أيعقل أن يتسلّق الواحد منّا الجبال الشّامخات و لمّا يحسن المشي في المنبسطات ؟؟ أيعقل أن تبلغ أبصارنا الآفاق و أعناقنا ملوية  يمغنطها الماضي و تأسرها العنتريات ؟؟ مازالت " داحس و الغبراء" أغنيتنا القديمة الجديدة ، و مازالت عين جالوت وواقعتها فخرنا الذي لايتجدّد ولا يموت ، مازالت أحاديث الآحاد تصنع خارطة طريقنا ..و نريد أن يكون لنا مكان تحت الشّمس !!

تبا لعربي هذا الزمان يعشّش في جمجمته تفكير جاهليّ.

       

mercredi 5 mai 2021

قريبا من الإفلاس

 

      قريبا من الافلاس

     بتفريق السّلط  زعم أهل الحلّ و العقد أنّ عهد الاستبداد ولّى غير مأسوف عليه  ، شهور طوال أنفقها من يفقه ومن يدّعي أنّه يفقه ومن لا يفقه  في سنّ دستور يكرّس توزيع المسؤوليات في الجمهورية الثّانية ، وتمطّطت  الشهور  وكادت تتحوّل إلى سنوات أرادها بعضهم أن تكون رغم أنوف الجميع و على حدّ تعبير " مقرر الدستور" على قلوب النّاخبين ...شهور من المخاض العسير أنتج دستورا ألغامه مبثوثة في أغلب فصوله ، دستور زعم بعضهم أنّه أفضل ما حبّرته أيادي المشرّعين و الحقيقة أنّه دستور يفرّق أكثر ممّا يجمع ، يثير و لا يريح ، يشكّك و لا يقنع .

     وها هي السنوات العجاف تتوالى في جمهوريتنا الثّانية  لتعلن عن حقيقة المولود الملغّم ، و لأنّ غير المؤمنين يلدغون من الجحر الواحد مرّات ، وجدنا الخائضين في صياغة ذلك الدستور العظيم  ،بل العقيم ، يقعون في الشراك التي نصبوها بوعي أو بغير وعي عن حسن نيّة أو عن خبث دفين  أقول : غير المؤمنين بسلطة العقول قبل سلطة الفصول ، و هل تنتظر ممّن أعشاه الحمق و التزمّت أن يتدبّر ؟ هل تنتظر من فاقد أشياء أن يعطيك شيئا ؟ هل تنتظر ممّن جعل هواه إلهه أن يهديك سواء السبيل و يبلغ بك الحقّ و الفلاح؟ فحين يكون الدّافع إلى التّقنين حماية الذات و تحقيق المصلحة الضيّقة ، فلا تنتظر أن تجد فيما حبّرته الأيادي من تشريعات ما ينفع البلاد و العباد .وفي ما صادقت عليه من قوانين يسارع بتركيز المؤسّسات الدستورية الضّامنة لسلامة المسار الديمقراطي و المحقّقة لمبدأ تكافؤ الفرص وبالتالي التعايش السلمي .

     سنوات عجاف سلخها المواطن البسيط و الوطني الغيور بشكل أسال دموع الكثيرين من أبناء هذه الأرض و أهرقت دماء آخرين بما أنّ بعض أرضنا  - كدستورنا – ملغّم وها هي تعصف بأرواح مواطنين لم يجدوا في جمهوريتهم الجديدة سرير إنعاش وقارورة أكسجين وجرعة لقاح .سنوات عجاف لم يهنأ فيها إلاّ قلّة ظنّت أنّ السير على الأشلاء ضرب من النجاح أو هو عنوان انتصار ..وأنّ الثراء في الوطن الفقير ردّ للاعتبار . تبّا لسعيد بين الأشقياء و لمنتهز بين أغبياء  .. سنوات عجاف قبح فيها كل جميل  ، و فسد فيها كل صالح ، استشرى فيها الفساد حتى ظنّ بعضهم أنّه القاعدة و أنّ الرشاد هو الاستثناء ..و حين تعمّ الفوضى و تتعطل الرغبة في النفع و يميل الناس رغما عنهم إلى الانحراف ترى سواعد  المتسلقين إلى غير علوّ و قد شمّروا عنها و تقف على نوايا المستغلين وقد كشفوها فلا حاجة لهم بعد اليوم بأقنعة لم تعد تخفي شيئا . شأنهم شأن مروّجي المحروقات المهرّبة على قارعة الطريق غير بعيد من مراكز الأمن الوطني أحيانا ، وشأن غيرهم من المضاربين و المحتكرين ..

  سنوات من العـناء و الفقر تتتالى والحال أنّ السيولة لم تكن هي الأضعف في تاريخ هذا الوطن الحبيب . لكنّها سيولة موجّهة استأثر بها أصحاب الجاه و السلطان   ، القادة الجدد  القائلون بأنّ للنضال مقابلا ، و أنّ ما أنفقه أولئك " المناضلون" يقتضي حتما ثمنا مناسبا ولو اقتطع بعضه من جهود الكادحين..إذ لا علاقة لهم بالذين وقع أجرهم على الله و الذين لا يريدون من شعبهم جزاء ولا شكورا .. فهم و إن ادّعوا أنّ  المبتغى حماية الدين و نصرة شريعة الله في أرض جفّت فيها منابع الأصالة وخيف عليها من التغريب، فإنّ الدنيا و زينتها هي مبلغ سعيهم وهي مقصدهم الأوّل.. وإن صرّحوا أنّ المنى هو العيش الآمن على هذه الأرض الطيّبة فإنّ اللّهث وراء المناصب غدا الهدف الأساسي  المعلن  تكرّس من أجل الوصول إليه  الأموال أيّا كان مصدرها و الوعود و إن كانت كسراب بقيعة و أساليب الإغراء و التحالفات مع أيّ كان ولو كانت الشياطين ..أليست الغاية تبرّر الوسيلة ؟ .

       أذا كان أمر البعض بهذا الوضوح في التلوّن يلبسون لكل حال لبوسها ولو دعاهم ذلك إلى أن تدوس أقدامهم الشعارات  التي رفعوها بالأيادي ، و أن يتنكّروا  للوعود التي قطعوها فأسالوا بها لعاب الطامعين و فتحوا شهيّة الجائعين غير المتعفّفين وأن  يقبروا المشاريع التي ادّعوا  تحقيقها أو إنعاشها  وأن  يعطّلوا المؤسسات التي تظاهروا بتطويرها ، إن كان أمر هؤلاء بيّن لا يحتاج إلى تدليل فالمحير أمر آخرين صرّحوا باستقلاليتهم فإذا هم متواطئون ،  و أعلنوا حيادهم فإذا هم منحازون ..ألم تر أنّ المناصب تفقد الكثيرين صوابهم و تخرجهم من جلودهم و تنسيهم مبادئهم إن كانت لهم مبادئ !!  وما أمر خيانة الأمانة و التنكّر للثّقة وازدهار السياحة الحزبية إلا دليل على الانتهازية التي اتّصف بها المتنقّلون من وكر لآخر تنقّل حشرات اجتهدت في البحث عن رحيق لكنّه للأسف رحيق لا ننتظر منه ما ينفع العباد و البلاد . فبحثهم اللاهث إنّما هو وراء المصلحة ذاك هو ديدن من اعتلى سدّة الحكم  معتبرا إيّاها تشريفا لا غير .. إلاّ من رحم ربّي.. .فلا الحكومة برئيسها و لا مجلس النواب برئيسه  ونوّابه أيضا ولا غيرهم يمكنهم إقناعنا بأنّ سياسة البلاد رشيدة و أنّ الحوكمة منهجهم و القضاء على الفساد غايتهم . لا يمكنهم بحال من الأحوال إقناع من انتخب آملا و من انتخب طامعا و من لم ينتخب  يائسا  ، من دافع مقتنعا ومن أيّد دون اقتناع  ومن اصطفّ متملّقا و من خرج عن الصفّ منزعجا ..و من لم يدافع ولم يؤيّد ..على أنّ سياستنا حكيمة و سياسيينا من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة   ، لم تعد تصريحاتهم الجوفاء و إن فصح لفظها و قوي جرسها تحرّك  وازعا  أو تثير اهتماما ... فليبيعوا ما عزّ عليهم  من خرقهم و ليتنازلوا ما أرادوا التنازل عن امتيازاتهم –ولن يفعلوا-  فإنهم لن يضمّدوا جرحا و لن يكشفوا بلاء و لن يرمّموا تصدّعا آخذا في التزايد طولا و عمقا ..كيف يثق المواطن البسيط اليوم في مسؤول كثرت وعوده و انعدمت انجازاته فكثر سفهه ؟ أيثق في من يعد ولا ينجز ؟ أيثق في نوّاب تجاوزوا مسؤولياتهم ليزرعوا الفتن و ليستعينوا بمن لا صلة له بالوطن و سلامته ووحدته ؟ أيثق في من جعل صفحته وسيلة للإضرار بالسلم الاجتماعية وتهديدها بما ينشره من سباب و تجريح و ثلب ينم عن سوقية بيّنة وانحطاط كبير ؟  أيثق في المسؤول يحتال لينال جرعة لقاح غيره أولى بها ،  أيثق في حكومة تماطل ستين بالمائة من الفئة العمرية صاحبة الأولوية الثانية و المتراوحة أعمار أفرادها بين 65 و75 سنة لتبادر بتلقيح آخرين صنّفتهم ذات الحكومة ضمن الأولوية الثالثة ؟ أيثق في مسؤولين لا يعرفون أين اختفت الآلاف من جرعات اللقاح الموهوب كما اختفت من قبل هبات مالية ذات شأن ؟ إنّه لأمر عجاب حقا . وهولا يقل عجبا عن أمر قرارات يعمد إلى اتّخاذها  المسؤولون الأوائل في البلاد  فيخرّبون بها الدّورة الدّموية لكيان هذا الوطن الموبوء فبدل الحجر و المنع  لغاية السلامة و النفع يفاجئنا أولئك بالدعوة إلى التظاهر انتصارا لفئة حاكمة فاشلة أو تأييدا لمعارضة صبيانية مهرّجة أو إلى الاحتفاء بمواراة جثمان عدّت حركة حاكمة صاحبته زعيمة جديرة بما يخصّص للزعماء و الحال أنّ الوضع الصحيّ في البلاد لا يسمح بالاجتماع  أو إلى إحياء ذكرى غزوة بدر نخرق به سياسة التوقي و الحذر و نلقي بأنفسنا في التهلكة ثمّ ندّعي عدم المصانعة و البعد عن الانتماء.

       سلوكات خرقاء يأتيها مسؤولون في الدّولة زادت من تعكير الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الصحّية تغلق أبوب المدارس و تفتح أبواب المقاهي و بدل الجلوس المتباعد على مقاعد الدراسة  يتحلّق التلاميذ حول طاولات المقاهي متجاهلين قواعد الصحّة التي يتطلّبها الوضع . نعم بدل القلم سيجارة و بدل التعلّم ثرثرة . وتغلق الأسواق في الفضاءات المفتوحة ليتزاحم الناس في الفضاءات التجارية المغلقة و لنكره الناس على توسيع ثروة الأغنياء و بالتالي تضييق رزق الفقراء ، لله درّ هؤلاء الحكام !!

      أمّا كبيرهم فينبري من على الرّبوة بين الحين و الحين بلسان عربي مبين يقول للمغفّلين و اللاّمبالين أنّ له علم اليقين بأنّ ما يحاك في الغرف السوداء ليس في صالح النّاس أجمعين وأنّ اللّحظة آتية لا محالة للضغط على أزرار تحيل الجلمود طحينا .. انتظروا إذن أيها المغفّلون فنحن لسنا معكم من المنتظرين .

samedi 1 mai 2021

إنّما الصدقة لصاحبها

 

                                     

     أمرنا غريب حقا ، نكون متفضّلين كرماء مع من اتسع رزقه فلم يعد يستحقّ العطاء و في المقابل نمارس نفوذنا و ننفّذ أمرنا حين نتعامل مع محتاجين قلب لهم الدهر ظهر المجنّ .ما هذا النفاق الذي يسكن في أعماقنا و يملي علينا سلوكا إذا ما أتاه غيرنا استنكرناه و شهّرنا به .

     أما تعلّم الواحد منّا طرائق التّعامل مع الناس دون تمييز بين قرويّهم و حضريّهم ، بين فقيرهم و غنيّهم ،  ، بين عربيّهم و أعجميّهم ، بين سائسهم و مسوسهم ..

     قلّة أولئك الذين يدفعون بسخاء حين يشترون من فقراء ، قلّة هم الذين يشترون أحيانا ما لا حاجة لهم به فقط لأنّ البائع من الكادحين و لأنّ دافعهم اختزال محنة غيرهم بأسلوب ذكي .و قليلون هم الذين لا ينزلقون في الخطأ فيبخسون الفقراء أشياءهم المعروضة للبيع .

       أمرنا عجيب فحتّى لو بُسط لنا الرّزق كما لم يُبسط لأحد سوانا فإنّنا نعمد إلى الضّغط على أسعار ولو كانت معقولة لسلع يعرضها فقير للبيع ولا يتبادر إلى أذهاننا ولا نفكّر في هذا الأمر حين نتعامل مع أثرياء يعرضون علينا كمالياتهم بل إنّنا نضيف لأثمانها المشطّة أحيانا ما نحسبه  يرفع قدرنا عند هؤلاء .

      أن ترحم من في الأرض و بطريقة متحضّرة و أسلوب راق فذاك من عزم الأمور لأنّ كرامة الانسان ليس لها ثمن قابل للمساومة و النقاش. و التفضّل أفضله ما غلّفته المشاعر الانسانية النبيلة و أخفاه الحرص الشديد على صون كرامة المحتاج من جهة و تزكية ذات المتفضّل من جهة أخرى .


dimanche 28 juin 2020

حذار أن تمكّن قاتلا من سكين جزّار

  الحديث عن السّاسة و السياسة يملأ الساحة بمفهومها الواسع  تسمع المثقف و الأمّي والشاب و الكهل و الذكر و الأنثى و تسمع من احترف ومن تطفّل و من قاد و من انقاد من اقتحم ميدانها طمعا ومن مارسها هواية و من كفر بها و بأهلها .. تسمع الجميع، وتدرك أنّ أغلب المتحدّثين يعوزهم تأسيس الخطاب ، كل يدلي بدلوه في مستنقع الأخذ و الردّ فلا تظفر بما تريد ، تسمع من  ينتقد وينحى باللائمة على من ساند و من عارض و من صفّق استحسانا و من بصق استهجانا  تسمع من يبدي امتعاضه من لغة مزدوجة تعني الشيء و ضده  تسعد المتلقي حينا و تشقيه طورا ، يسيل لها اللّعاب يوما و يفور لها الدم أيّاما تسمع من ينتظر فرجا قريبا وهو يعلم أن الأزمة لم تبلغ ذروتها بعد حتى تبدأ في الانفراج وتنظر في الوجوه فتبدو لك غريبة بعض الشيء لم تتعوّد رؤية هذه الملامح المنبئة بإسلامها لا بسلامها و تنصت إلى هذا الخطاب فلا تفقه شيئا كأنّ الناس يتحدّثون لغة غير التي فككت رموزها في المدرسة و المعهد و الكلية ، لغة تذكرك بأبيات للشنفرى استحال عليك فكّ طلسمها ، ولغة أخرى لم تقرأها في كتاب ولم تسمعها أيان كنت تجلس على مقعد الدّراسة ولكنّك تسمعها اليوم في مؤسّسات حكومية من مسؤولين سياسيين خاصّة كشفت ألسنتهم عمّا امتلأت به صدورهم صدق المثل القائل :– كلّ إناء بما فيه يرشح-..
       حين يعييك الفهم تقلّب أوراق  صحيفة حزينة تنبي عناوينها الغليظة بمسحة التشاؤم التي تسيطر على من حرّر و من اختار الصور  ومن راهن على سُمك  الخط و لونه علّه يحدث الرجّة التي أرادها ، فتنتفخ فقاعة هنا و فقاعة هناك تضاف إلى فقاقيع الغضب المنتشرة في البلاد شمالها و جنوبها شرقها و غربها..وهكذا يتكوّن القطيع في مدن الرئاسة القديمة و الثورة  القديمة والتمرّد التلقائي و الاستفاقة المزعومة والانشقاق المدروس.. وهكذا تتجدّد المطالبة بالكرامة المهدورة و الحقوق المهضومة و ينبري متحدّث باسم منسيين يعيشون على هامش الحياة و الثروة قريبة منهم تطلّ برأسها مستهزئة مغرية لكنّها تلوي وجهها عنهم و تتوه ..
          إضراب...اعتصام ...قطع طريق .. مطالبة بمنصب .. بخطة .. بمسؤولية... بمهمّة وقتية تنتهي بإدماج .. تعطيل إنتاج ..  تخريب مؤسسة ...إيقاف نشاط.. إشعال حريق .. صرنا نفهم طرائق التعبير الحضاري عن الرأي.. صرنا قادرين على الإعلان عن وجودنا ، صارت أصواتنا تبلغ عنان السماء كما تبلغها أدخنة الحرائق التي نضرمها هنا و هناك  .. ماذا تعتقدون ؟ نحن الذين ثرنا  و ثورتنا تشفع لنا تبرّر فعلنا ، فما رأيكم ؟   إذا لم تقتنعوا بقدراتنا فبوسعنا التصعيد . بل والمزيد من  الحماقات اللاّوطنية التي يظنها البعض تعبيرا  بليغا عن الوعي الجديد لا يهم إن تعطلت مصلحة ، لا يهمّ إن توقف معمل ، لا يهم أن تأجّلت مشاريع ، لا يهمّ أن أتلفت محاصيل ، لا يهمّ إن تعكّرت علاقات مع أشقّاء أو أصدقاء،إنْ فُقدت آلاف مواطن الرزق لا يهمّ.. إنْ تصدّعت أسرٌ و تشرّد أطفال  لا يهمّ ..فكلّما عمّت هانت ..لا يهمّ أن ترى جهود موسم فلاحي ذهبت هباء منثورا أو التهمته ألسنة نار أشعلها حاقد لا يرضيه أن يتحقّق لبني وطنه اكتفاء ذاتي و لا يشقيه أن تلجأ السّلطة إلى توريد يثقل كاهل المجموعة.. لا يهمّ أن تلتهم ألسنة اللّهب قاطرة مادام حرقها يتيح لمتربّص عرض خدماته و تشغيل أسطوله و استغلال محرومين يسيرٌ عليه استمالتهم عسيرٌ عليهم تجاهل حرمانهم ..
     الشيء الوحيد الذي يكتسب الأهمية هو أن يجد المحتجّ ما يسكت ثورة النفس الحاقدة على من لم يفتح له باب الإدارة أو باحة المؤسسة الصّناعية أو سياج الحقل البترولي أو عمق الغابات .. كيف يحرم راتبا يتمتّع به الآلاف الذين شفعت لهم الثّورة فأدرجت أسماءهم ضمن قوائم المناضلين الثوّار  وإن لم يقدّموا خدمة  .. 
      هذا هو الوعي الجديد في زمن الثورة اللاّمسؤولة ثورة مسحوقين وقعوا بين خطرين: خطر الخطاب الاديولوجي الذي يغري الأعزب المكبوت بحورية جمالها فوق الوصف و الجائع  بثمار قطوفها دانية ، وخطر الخطاب الإرهابي التهريبي الذي يغدق على المحتاجين المال الذي تستقيم به الحال و تتطوّر به الأعمال ،ويعد المخطئين و المتحيّلين و الخارجين عن القانون  بصفح تغدو به بطاقات سوابقهم ناصعة البياض. وفي الخطابين تطرّف هدّام لا يصنع الإنسان السويّ المسؤول إنّما ينحت  شبابا أشقاه التواكل و الغرور وظن أنّه - بعد الانقطاع المبكّر أو المتأخّر، أو بعد التخرّج من جامعات لم يعد يفشل فيها أحد و بعد التّتلمذ على يد دعيّ يزعم أنّ فهمه لرسالة السماء قد بلغ فيه المنتهى ، أو الوقوع في شرك متحيّل مهرّب حذق طرائق  البيع و الشراء التي لا تخضع لرقيب أو محاسب - سيكون أجدر النّاس بالتّسيير و أحق خلق الله بالوظيفة والثروة في الحياة الفانية وبأجمل قرينة وأوسع قصر في الآخرة الباقية .وما لم تمكنه الظروف من ذلك فلن يهنأ في وطنه أحد ولن يسلم من شرّه سياسي أو أمني أو عسكريّ أو مدنيّ ،  شعاره إن متّ ظمآن فلا نزل القطر .لكنّه يستبعد الموت عطشا مادامت طرق التهريب خارجة عن المراقبة وما دام المذنبون أبعد من أن تطالهم يد القانون المبتورة بحكم حسابات هؤلاء و أولئك وكيف تجفّ منابع التطرّف والإرهاب وهي واقعة تحت مظلّة مؤثّرين في الحياة السّياسية ؟ وكيف تقتلع جذور الفساد إذا رعتها أيادي السّاسة ؟
      إنّ المعالجة الجدّية ينبغي أن تنطلق من حماية عقول الأبرياء حتى لا يتسلّل إليها داء التطرّف و الإجرام فإنّ العنف بأنواعه ينشأ في العقول قبل أن تعلنه الشّوارع للعموم . و إنّ العفن لا يستشري ما لم يستفحل داء اللاّمبالاة ، هل تقبل العامّة التضحية ما لم تر الخاصّة قد أنكرت الذّات وآثرت البلاد ؟.ألا إنّ  صلاح الرعية لا يتحقّق ما لم يصلح رعاتها ، ولا سريان لقانون لم يمتثل له واضعه ولم يتحرمه منفّذه ، أنأمر بالبرّ و ننسى أنفسنا ؟ وننهى عن المنكر ونأتي أرذله و نعيب خلقا نحن من تجمّل به  ؟ ثمّ ننتظر الاحترام ونستغرب الاستنكار ..
     من المضحكات المبكيات أن تسمع "مسؤولين" أوتوا كتبهم وراء ظهورهم يحدّثونك عن الاستقامة و العفاف و آخرون أفرزتهم حالات اليأس و الطمع، ينبشون ذاكرة التاريخ بحثا عن زلّة أو عثرة ينفخون في رمادها لعلّ توهّجا ما    يحصل فيسترعي اهتمام متعطّشين لزرع بذور الفتنة ،  وهم يدركون أنّ الزلّة و العثرة لا تحصلان إلاّ من كادح سعى و اجتهد ولم يثنه الخوف من الوقوع فالقاعد ،لا غير، أبعد النّاس عن السقوط و أبعدهم عن بلوغ القمم  لذلك جدير بالعاقل ألاّ يكون أذنا ، فليس من الحكمة تمكين قاتل من سكّين جزّار .و ليس خدمة للحرّية ترك الحبل على غارب جموح ..لقد علّمتنا التجارب أنّ الشرس من الكلاب وجب تكميمه حفاظا على السلامة و توقّيا من الشّرور .




dimanche 10 mai 2020

سوريا الحبيبة ..و بعد

      
   تذكر سوريا اليوم فتدمع العين حبّا و يعتصر القلب حزنا ، و يذكر السّوريون اليوم فيحتار العقل لمواقفهم و يألم الوجدان لمصائرهم . سوريا الحبيبة يمزّقها الخلاف و يقسو عليها أبناؤها قبل أعدائها يظلمونها في وضح النّهار ، و" ظلم ذوي    القربى أشدّ مضاضة "
          سوريا البعث تبعث في الملاحظ الصّديق حسرة كبيرة وألما شديدا و سوريا الصّمود زعزعت أركانها انتفاضة الرّافضين لقوّة عربية في منطقة شعارها الانبطاح طريق السلامة سوريا بردى تجاذبتها الأهواء فترنّح شعبها بين مطرقة سلطة تدافع عن مشروعيّتها و سندان ثائرين حرّكتهم حقوق طال انتظارها و لم تتحقّق ومطامع أيقظتها في صدورهم فتاوى الجهاد . ما رقّ صبا بردى و ما أنطفأت نيران النّزاع تلحس الأرض و تلعق الأجساد . وما خفّت الدقّات تطرق بابا عنيدا موصدا ضرّجته الدّماء و لمّا يفتح . وما خرست أفواه البنادق تمزّق سكون اللّيل برصاصها ، وما خرست أفواه السّوريين تردّد قول ابن المعرّة " تعب كلّها الحياة "وتتعزّى بقول ابن النيل : "ودمع لا يكفكف يا دمشق " .
        مدّ و جزر و تجاذبات لا نهاية لها بين سلطة موروثة ترى القضيّة مؤامرة حبكت خيوطها أطراف أجنبيّة - و ليس في الرّأي بعد عن الصّواب-  لا يرضيها أن يشعّ هلال الصمود يجسّمه تحالف العلويين في دمشق مع شيعة طهران و مقاومة لبنان فيعطّل مشاريع غرب يسعى لبناء شرق أوسطيّ جديد يحقّق به الأمن لابن العمّ سام( بالتبنّي) المدلّل . و بين حركات شعبيّة تداخلت فيها التوجّهات و اختلفت المرجعيّات و تضاربت مصالحها و توضّحت ولاءاتها ولكنّها تسعى جميعا لإنهاء نظام عمّر و لم ينفع و روّج ولم يقنع نظام قام على الإقصاء و منع الحلبة على غير المنتمين لبعث لم يتخلّص بعد من قذى العين والحال أنّ على رأسه الطبيب ، بعث لم تظهر بشائر بشّاره و لم يثمر غرسه وقد مرّت على انبعاثه العقود . نظام أنشب فيه الأسد أظافره  فاستقام له الوضع و اطمأن لفريسته و قد أفردها حتى إذا ناداه المنادي قدّمها لشبل ظنّ كثيرون أنّ نباهته ستنسي المقهورين مشاهد حماه الخربة و قد استباحتها آلات الدمار بإذن من الأب تلقّن المنشقّين عن الصفوف درسا ميدانيا في الثبات على الرّأي في الوطنيّة الصادقة التي تحبّ الخير للبلاد و العباد !. و لكنّ طبيب العيون أخطأ الهدف فتصوّر أنّ استرجاع الجولان يبدأمن حمص و بالذّات من حي "بابا عمرو"أعوزته الرّؤية الثّاقبة الاستباقيّة و الحال أنّ العالم من حوله يشهد رجّة قويّة لم تتحمّلها عروش كثيرة ظنّ أصحابها أنّها قادرة علة الصّمود لا تحرّكها الأحداث أطلق للشبيحة   العنان حتى قال القائل عنهم :

 –
 الـشبيحة – هم اداة , كـ البندقية او المسدس , و لكن من يقتلنا به , هو النظام و جهازه الامني و السياسي , و طبقة التجار الممولة , و  الموالون , و الصامتون , و المتكاسلون , هؤلاء كلهم , يشتركون في الذنب و الجريمة , و قد اثبتت الستة اشهر الماضية , بأن – الشبيح –  لا يمكن ان يفهم او يَعي , هو حيوان مُدرب على القتل , نعم اذاقونا الويل , و لكن قضيتنا ليست معهم , قضيتنا مع من ارسلهم و دربهم , و دعمهم و غذاهم و شارك و أيَد , و حربنا الطائفية هي ضد الطائفة الاسدية , و طائفة التجار الممولين , و طائفة السياسيين غير المنشقين , و خاصةً من هم في الخارج , و ضد الطائفة الكبرى من السوريين المؤيدين , ان هؤلاء هم القذارة بذاتها , فـ رغم كل ما جرى و يجري من قتل و ويلات , تجدهم ينادون دون خجل , بقصف الطيران , او سحق حماه و باب سباع و الجامع العمري , عن بكرة ابيهم , لكي تعود حياتهم لطبيعتها !!


        قد يكون الأمر أكثر تعقيدا ممّا يظنّ بعضهم ، فما يذهب إليه المنادون بالحماية الدّوليّة لا ينبغي أن يفوتهم أنّ الغرب ما حمى أبدا و التّاريخ يشهد على ما أقول و القائلون بتسليح المعارضة إنّما يعملون على انهاك الشّعب السّوري وعلى مزيد إراقة الدماء بشكل أكثر فظاعة و إجراما فالقضيّة لا ينبغي أن تخوض فيها أفواه المدافع وإنّما عقول الحكماء . لأنّ الثورات التي اندلعت هنا و هناك ولم توجّهها حكمة متبصّرة أفرزت واقعا لم يكن أكثر الناس تفاؤلا  يتصوّر لحظة أنّه المأمول ، وتمخّضت عن ضرب من السلطان لا يتناغم البتّة مه سيرورة التّاريخ . هي ثورات شعوب سئمت الاستبداد السّياسيّ و كرهت الأنظمة العسكريّة و البوليسيّة ،  ثورات شعوب لم تجد نخبها حظّها بعلمها الذي حصّلت و بعملها إن قدّر لها العمل ، ولم تنعم عامّتها بهناء العيش نهارا و عميق الرّقاد ليلا . ولم تتوقّع أنّ حالها سيزداد سوء بعد ثورتها لأنّ من خلف لم يكن إلاّ من السلف ، المستقبل في نظره هو الماضي و الماضي عنده هو النموذج الأعلى على نهجه يسير و بحكمته يستنير . لم تتوقّع جموع الثّائرين أنّهم سيستجيرون من الرمضاء بالنار حين يستبدلون الحليق بالملتحي و إن استعمل كلاهما ربطة العنق وادّعى أنّ الخلاص لا يكون إلاّ على يديه .
      ليست بثورة يسير فيها الثّائرون إلى الوراء ، و ليست بثورة ينبش فيها المسؤولون ماضيا بحثا عن أدوات عمل يقهرون بها تأخّر حاضرهم و ينيرون بها ظلمة مستقبلهم ...
ليست بثورة تلك التي لا تستهدف الفساد بالوسائل المناسبة تطلبها في عدالة انتقالية و احترام كامل للحقوق و دعم كلّي لحرّية الرأي و إقرار بالمسؤوليّة في القول و العمل إنّ التجارب الحاصلة في أكثر من بلد عربيّ عرف الثورة لا تجعلنا نطمئنّ الاطمئنان كلّه إلى تكرارها بنفس الشكل و بنفس الدّعم الخارجيّ ، و إن كنّا نعتقد أنّ التّغيير حتميّة تفرضها حاجة الإنسان إلى الكرامة المغيّبة و العزّةالمنشودة .حاجته إلى الغد الأفضل .فالثورة البنّاءة لا يأتمر صنّاعها بأوامر الأعداء وإن نطقوا الضّاد والأحرار لا يتنكّرون للمبادئ فالحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها والوطنيّ غيور على تراب الحمى يأبى أن تدوسه أقدام مرتزقة لعبت بعقولهم ألسنة دعاة الدين منهم براء.





lundi 23 mars 2020

الرّبيع يهزأ بالكورونا


 كان ذلك في شهر مارس من سنة 2020 ، كانت الشوارع مقفرة و المغازات مغلقة ، لم يكن بوسع النّاس الخروج من بيوتهم ، غير أنّ الربيع لم يكن على علم بكلّ ذلك ، فالأزهار بدأت تتفتّح و الشمس ترسل ضياءها في الكون و الطيور تشدو بأعذب الأنغام و الخطاف لن يتأخّر عن القدوم ...
 كان ذلك في شهر مارس من سنة 2020 أكره التّلاميذ على أن يدرسوا عن بعد ، فالمؤسّسات التّربوية أغلقت أبوابها وكان عليهم أن يبحثوا عن أنشطة داخل بيوتهم يسدّون بها فراغا لم يألفوه ، لم يعد الخروج للتسوّق مباحا إلاّ بترخيص مسبق ولم يعد التوجّه إلى المقهى أو الحلاّق يخلو من مخاطر فضلا عن التنزّه .. و قريبا لن يكون بوسع المؤسّسات الصحّـية استقبال وافدين جدد فالأسرّ جميعها يشغلها مقيمون حلّت بهم العلّة ، و يبدو أن نسبة المصابين في تزايد ينذر بالخطر .إلاّ أنّ الرّبيع لم يكن على علم بكلّ ما حدث و يحدث في شهر مارس من سنة 2020 لبست الأرض حلّتها الخضراء القشيبة .
فرض على الناس الحجر الصحّي توقّيا من العدوى و حفاظا على سلامة الأجداد و الآباء و الأبناء .منعت الاجتماعات و لو كانت حول مأدبة عشاء و منعت الحفلات ولو كانت لعقد القران أو الزواج، صار الخوف حقيقة ماثلة و أصبحت الأيّام متماثلة لكنّ الرّبيع لم يكن يعلم شيئا من كل هذا فأشجار اللّوز مزهرة وأشجار التّين أورقت وبراعم أشجار القوارص أعلنت عن ميلادها ..
في البيوت لم يجد بعض النّاس بدّا من الالتفات إلى القراءة في حين مال آخرون إلى الألعاب العائلية و فضّل غيرهم تعلّم لغة جديدة منّوا أنفسهم بتعلّمها منذ زمن أو اقتحام مجال الغناء فأطلقوا لحناجرهم العنان و هم في الشّرفات يطلّون على شوارع لا ظلّفيها لأحد ..
تعلّم الجميع لغة جديدة لغة التّضامن و التّآزر وقيم أخرى صار التحلّي بها  من شيم المواطنة ..لقد أدرك الجميع أنّ للصحّة الأهمية الأولى وأدركوا عمق المعاناة في هذا الزمن الموبوء المتوقّف عن كلّ نشاط ..غير أنّ الرّبيع لم يكن يعلم شيئا ، فلأزهار تركت مكانها لثمار ما فتئت تكبر و تكبر و الطيور أكملت نسج أعشاشها و الخطاف حلّق في الفضاء  الرّحب ....
ثمّ أخيرا لاح فجر الخلاص علم النّاس ذلك من نشرات الأخبار و وسائل الاتّصال  و التّواصل لقد خسرت الجرثومة الرّهان و انتصر الإنسان .. نزل العاكفون في بـيوتهم إلى الشوارع يغنّون و يبكون و يتعانقون بلا أقنعة و لا قفّزات .. وفي خضمّ ذلك أعلن الصّيف قدومه لأنّ الرّبيع لم يكن يعلم ، و لأجل ذلك سيبقى هنا رغما عن كلّ شيء رغم أنف الجراثيم جميعها و رغم أنف الخوف و الموت ..و لأنّ الربيع لم يكن يعلم شيئا ممّا حدث فقد علّم البشر القدرة على العيش ..
ابقوا في بيوتكم ، حصّنوا أنفسكم ، و لا تنسوا أن تقبلوا على الحياة ..أن تغتنموا العمر .



samedi 29 juin 2019

أفّ لها من رداءة

      تبّا لرداءة  آل إليها واقعنا ، لم يسلم منها قطاع و قليل هم الذين لم يلحقهم أذاها و لم تطلهم أصابعها المتعفّنة ، ولم تزعجهم ألفاظها المبتذلة . رداءة في ما يكتب و ما يقال  و في ما يأتيه الكثيرون من الأفعال ، رداءة يتفاقم أمرها يوما بعد يوم و تتّسع رقعتها في كل الاتّجاهات رداءة باتت مألوفة لا تنكرها العقول و القلوب و لا تمجّها الأسماع  و لا تتأذّى بها الأبصار ، لم تعد من الرّذائل المرفوضة قيميا و ذوقيا تترفّع عنها النّفوس و تأباها الضّمائر الحيّة ...
      تبّا لمجتمع يهيم بها سلوكا و ممارسة و لا يتستّر... بها يتعامل لا يضيره شيء ، يمارسها في السرّ و العلن لا يثنيه رادع ذاتي ولا موضوعي بل إنّه يتباهى كما لو أنّه أتى الحكمة التي عزّت على غيره و بلغ بها  الكمال المرتجى ..
     تقلّب صفحات الجرائد و المجلاّت تتابع ما ينشر في مواقع التّواصل الاجتماعي تنصت عن قصد أو عن غير قصد لما يدور من محادثات و حوارات فتصدمك التفاهة  و تؤذيك البذاءة و تحيّرك السطحية و تحزنك المضامين تنقبض نفسك يصيبك الغثيان . فماذا دهاهم اولئك الذين ارتاحت أبصارهم للدميم من المناظر و استساغت أذواقهم القبيح من الصّور و اطمأنّت أسماعهم إلى الممجوج من القول و الإيقاع و سعدت نفوسهم بسيئ العمل و فاحش القول و غريب السلوك وهمجيّه ؟؟
   أ عجيب أن ينتهي بنا الأمرإلى هذا الحدّ من الرّداءة إلى هذا المستوى من التدنّي يقع فيه الكبير قبل الصغير والسّائس قبل المسوس  وقد فهمنا أنّ التطوّر يعني الانحلال والابتذال و أنّ الدّيموقراطية تعني الفوضى وأنّ المقصود بالحرية سباب و ثلب.  بعد أن تركنا النّظر و التدبّر و اتّبعنا الغريزة و الهوى ؟ أ عجيب أن يجرفنا التيّار فننقاد  رغما عنّا لا قدرة لنا على الثبات أو المقاومة ؟ ثم نحسب أنّ التأثّر بمن حولنا ممّن لم يعد يعترف بمسكوت عنه و لا بممنوع ، بمن يدّعي أنّ الحرّية أن تفعل ما تشاء وقتما تشاء أينما تشاء ، أنّ التأثّر بهؤلاء هو عين التقدّم  و أنّ ما حصّلناه في بيوتنا و مدارسنا و معاهدنا و جامعاتنا خرافة لا ثقافة .
     الأكيد أنّ للرّداءة أسبابها الذّاتية و الموضوعية  و أنّ استفحال أمرها مردّه  أوّلا سلبية النقد بل قل غيابه ، فالأشياء لا يستقيم اعوجاجها إن غاب الطّرق الدّقيق الموزون يسبقه الاحماء المدروس  لا يأتيهما غرير أو دخيل .أننتظر استقامة الظلّ إذا ظلّ العود معوجّا ؟  و مردّه ثانيا إلى الإفلات من المحاسبة ثمّ العقاب فطالما غاب الرّدع واستمرّ السّكوت عن الحق عاثت شياطين الإنس فسادا و تجاهرت بالعدوان و دافعت عن الرّداءة باستماتة .
     لقد أتاح ذوو الألباب المجال للمهرّجين فصالوا و جالوا ، سكت العارفون فثرثر أشباه المثقّفين و لغوا وأحجم العقلاء فانبرى السفهاء يملؤون الساحات و القاعات و المجالس هرجا و مرجا .تراجع قادة الفكر النيّرو البصيرة الثّاقبة فلم نعد نسمع ما يفيد و نقرأ ما يغني لم تعد عقولنا تتعب لتنعم بلذّة الرّضى و هدأة الكرى. فليس هناك ما يدفع إلى التّساؤل و التدبّر و يثير الحيرة و الشكّ  اللازمين لبلوغ اليقين ، بقدر ما نلقى من الامتعاض و التأفّف قلّ أن نسمع اليوم مسؤولا إذا تكلّم أفاد و إن وجّه أرشد و إن نقد أصلح وإن آلم أبرأ . تجار الكلام في هذا الزمن الرّدي و حاذقوا التلاســن و السّباب و ممتهنوا البذاءة والاسفاف استأثروا بالحديث  فأشـــــــقوا  و أضنوا  وما أسعدوا و أرضوا هم الأوائل على المنابر و حول الموائد  يتقدّمون الوفود  و يتصدّرون المجالس و يسارعون إلى حضور الملتقيات واللقاءات .. ليتهم غابوا وما حضروا و ليتهم سكتوا إذ حضروا .
       يحزّ في النفس أن يخرج علينا من حين لآخرمسؤول  يبرّر ما لا يبرّر ويجتهد كلّ الاجتهاد ليدحض حقّا بباطل .. ويحزّ في النّفس أن ينساق المرء مدفوعا بانفعالية تارة و بغرور طورا و بجهل بحقائق الأشياء في كثير من الأحيان إلى قدح و مدح لا يقتضيهما مقام فلا الدّاعي ، و الدّاعية بمعنييها ، يستخدم الموعظة الحسنة التي تكشف نفاسة معدن وتشير إلى تواضع من ألمّ وتعمّق وأدرك أنّه و إن جمع و أوعى فقد غابت عنه أشياء وأشياء و لا المدعوّ يجيب بالتي هي أحسن فتكون الكلمة الطيبة -إن امتلكها - أفضل الرّدود  ويكون السكوت أحسن تبليغ إن لم يكن للكلام فائدة ترجى . ساء الخطاب وتقنّع الخطباء بأقنعة ظنّوا أنّ الوجوه بها تكون ناضرة فإذا بها فاقرة .. ألا ساء ما يأتونه من فعل و ما يلفظونه من خطاب .
     في زمن الرّداءة هذا تناسى الكثيرون أنّ من لا خير في كلامه أولى له أن يصمت وأنّ من لا إتقان في عمله الأجدر به التمرّن و التعلّم فإنّ في صناعة المرء بعض ذاته  و الصّنع الرّديء لا يقف وراءه إلاّ مستهتر وضيع  .. 
ألا لعِنتْ الرّداءة ألف مرّة جهرا و مثلها همسا و قطِع اللّسان العاجز عن لعنها إن لم يكن جهرا فسرّا ذلك أنّ السكوت عن الحقّ مباركة للظّلم  ومساندة لمن أتاه خطأ أو احترفه و السّكوت عن الرّداءة انتصار لمعتنقيها .
      ساءت أحوال البلاد بعد أن سكت النّاس عن سفهائها وهم كثر وتزداد سوءا إن هم وضعوا أصابعهم في آذانهم حذر الانصات لصوت الحقّ  يصدع به عقلاء أو تـأتيه ضـمائر تيقّظت  بعد سبات . ساءت أحوال البلاد إن سمعت الوعود تتلاحق و لا يوفّى بها و العهود تعقد ثمّ تخان و تتناسى إن رأيت شعارات التخوين يرفعها الاخوة الأعداء يشّوه بها بعضهم بعضا ....
ألا فليعلم هؤلاء أنّ ما من حرب أشعلها الحقد وأجّجتها الانتهازية أنبتت زرعا أو ملأت ضرعا. ألا فليعلموا أنّ الشّقاق و النّفاق وقد صارا ديدن الكثيرين لن تسلم منهما أرض و لن يصان عرض  ولن يهنأ انسان ..